تحياتي، نحن كعرب فخورين بأن دولة عربية تستضيف أهم حدث رياضي عالمي متمثلاً ببطولة كأس العالم الذي تستضيفه قطر، تماماً مثلما فخرنا باستضافة دبي لأهم حدث تجاري/تكنولوجي/صناعي في العالم وهو الإكسبو العام الماضي والذي ادخل على دولة الامارات مليارات الدولارات. فكلنا نزداد فخر مع كل انجاز عربي، وفي هذا المحتوى من "مع دلياني" على منصات بالعربي، سنخوض في قضية معينة بمونديال قطر يتم تسيسها واستخدامها وتوظيفها لاجندات لا علاقة لها بكرة القدم او الرياضة او رسالة المونديال العالمية، وهي قضية الخمر في مونديال قطر، فتعالوا معي في هذا المحتوى الجديد.
أهلاً وسهلاً اخواتي واخواني من المحيط الى الخليج العربي، لا شك ان بطولة كأس العالم في قطر هي أكثر بطولات العالم في كرة القدم إثارة للجدل بدأ من الرشاوى التي دفعتها قطر لاستضافة المونديال والتدخل الفرنسي لانجاح تلك المساعي، مروراً بالاف العمال الأجانب الذين ماتوا خلال تأديتهم عملهم في بناء منشآت المونديال من استادات وغيرها،وقضية منع الخمور في أجزاء من الاستادات، نعم اجزاء من الاستادات، وتوظيف ذلك للتغطية على الموضوع الاكثر اثارة للجدل وهو مبلغ الربع تريليون دولار الذي صرفته قطر لاستضافة 28 يوم من بطولة كأس العالم لكرة القدم.
من منع شرب الخمور في اجزاء من الاستادات؟
في بيان صادر عن الفيفا قبل بدء المونديال وبالتحديد في 18 تشرين الثاني ورد التالي: "انه تم اتخاذ قرار للتركيز على بيع المشروبات الكحولية في: مهرجان FIFA للمشجعين، ووجهات المشجعين الأخرى والأماكن المرخصة (أي البارات والنوادي الليلية والمطاعم والفنادق)، وإزالة نقاط بيع البيرة من ملاعب كأس العالم لكرة القدم في قطر.
وهذا البيان الذي ممكن للجميع أن يقرأه على الصفحة الرسمية للفيفا والمواقع الغربية الاخرى المهتمة ببطولة كأس العالم، صدر عن الفيفا ولم يصدر عن دولة قطر، مما يِدل بما لا يدع مجالاً للشك بأن القرار هو قرار الفيفا وليس قرار دولة قطر التي تسمح لشرب الخمر مع او بدون كأس العالم.
وبالرغم من أن قرار الفيفا بمنع بيع الخمور داخل الملاعب الا أن المتنفذين استطاعوا ان يحصلوا على استثناء من الفيفا ببيع الخمور في المقصورات الخاصة التي هي بالعادة للشخصيات الهامة والاثرياء من قطريين وغير قطريين، فالخلاصة أن قرار الفيفا لحظر بيع الخمر مقتصر على درجات معينة داخل الاستاد ولا يسري على محيط الاسناد او اي مكان آخر في قطر والتي زرتها أكثر من مرة ورأيت كم هي مزدهره تجارة الخمور والبارات والنوادي الليلية فيها.
من سبق الفيفا في منع الخمر في الملاعب؟
هناك عدد من الدول سبقت الفيفا باتخاذ قرارات منع شرب الخمر في الملاعب، وهذه الدول هي: فرنسا، اسبانيا واسكتلندا وذلك بحسب يورونيوز. ولم توظف هذه الدول منع شرب الخمور في الملاعب لاسباب سياسية داخلية وخارجية، ولم توظفها لجلب الاستعطاف وحذف الانظار عن مسألة قد تكون اكثر جدية.
لماذا تسوّق قطر ان حظر الخمور في اجزاء الاستادات على انه انجاز لها؟
بالرغم من الانجاز الكبير باستضافة كأس العالم 2022، الا أن هذا الانجاز جلب انتقادات عربية واسلامية ودولية لادارة قطر لهذا الملف الذي تولاه أجانب اسرفوا في ميزانياتهم مستغلين اهتمام حاكم قطر ووالده ووالدته بالمونديال، فبربع ترليون دولار كان يمكن لقطر أن تقضي على الفقر والجوع في الدول الاسلامية، وكان ممكن لقطر أن تقضي على الأمية في غالبية دول العالم ، ان هذا المبلغ الذي تم صرفه على 28 يوم من كرة القدم هو أعلى من الناتج المحلي لفنلندا العام الماضي والذي بلغ 232 مليار دولار بحسب البنك الدولي، بل أكثر من ذلك هو أكبر من الناتج المحلي لنيوزيلاندا وهنغاريا وبوليفيا وكوستاريكا وكوبا مجتمعة... نعم مجتمعة.
هذه الحقيقة أخذت تُشكّل هاجس لحكام قطر، فقررت قطر أن تُغطي هذا الامر المثير للجدل بمواضيع عزيزة على قلب الأمة العربية، ومنها فلسطين، فحاولت قطر أن تستثمر في الحماسة العربية باتجاه فلسطين ومكانة فلسطين في قلب الأمة العربية، فمثلاً حاولت قطر ان توهم الأمة العربية بأن الشاب المغربي الذي اقتحم الملعب حاملاً علم فلسطين هو انجاز قطري مع أن الجميع يعلم لو أن المونديال عقد في الصين او الولايات المتحدة او اي مكان آخر، لقام هذا الشاب بفعل نفس الأمر الجميل، فحبه وحب المواطن العربي لفلسطين ليس له علاقة بقطر، اول دولة خليجية طبّعت مع المحتل الاسرائيلي. أما الأمر الذي استثمرت فيه قطر جهداً أكبر للتغطية على فضيحة انفاقها غير المعقول على بطولة كاس العالم، وهو تسويق قرار الفيفا بحظر بيع الخمور في بعض اجزاء من الملاعب على أنه قرار وانجاز قطري للحفاظ على العادات والتقاليد والتراث. فكما أثبت سابقاً فإن قرار حظر الخمور في بعض اجزاء من الملاعب هو قرار للفيفا وسبقتها بذلك دول غربية لا علاقة لها بعادات او تقاليد او تراث قطر التي تدعيها ابواق قطر الكثيرة. ومن حق أي دولة تستضيف أحداث عالمية أن تسوّق من خلالها ثقافتها وتقاليدها، وهذا ما يفعلة جميع الدول المستضيفة، لكن الأمر في قطر، وكما وصفه لي صديق أمريكي موجود في قطر لحضور بطولة كأس العالم، بالمحيّر، لأنه كما قال لي: إن كانت قضية منع الخمور كما تدعي قطر فهل تسمح العادات والتقاليد والتراث القطري بشرب الخمور في مقصورات داخل الملاعب مخصصة للشخصيات الهامة والأثرياء، وهل تسمح العادات والتقاليد والتراث القطري بشرب الخمور في محيط الملاعب والبارات والنوادي الليلية والمطاعم والفنادق المنتشرة في قطر؟ وهل نسمح العادات والتقاليد والتراث القطري ببيع الخمور لمواطنيها والاجانب من محلات ضخمة تملكها الدولة لشربها في منازلهم وتنزهاتهم؟
فبدلاُ من تعريف زميل دراستي على الثقافة والقيّم القطرية، إن كان هناك شيء حقيقي يحمل هذان المُسميان، تَركَته يتسائل عن التناقد في العقلية والثقافة القطرية، بل بات يستهجن تضارب المبادئ، إن كان هناك مبادئ أصلاً.
الخلاصة
من حق أي دولة أن تصرف مالها كما تشاء، ولا يلام على أي تبذير او اسراف أحد طالما الشعب راض بذلك، وطالما الشعب القطري صامت فهو راض، وإن كان صامت لانه مرعوباً من بطش ما، فعليه أن يتعلم من الشعوب المحبة للحرية بأن الحقوق والحريات لا تأتي الا بالتضحيات. ومع كل هذا تبقى فلسطين حرة عربية ومدرسة لطلاب الحقوق والحرية.
Comments