قنوات التلفزيونات المختلفة والمنصات الالكترونية المتنوعة تُبدي اهتماماً شديداً لزيارة الرئيس الامريكي جو بايدن للمنطقة في شهر تموز 2022، والجميع يتكهن ويوظف هذا الاهتمام الاعلامي لخدمة اجندته او الاجندة التي يسترزق منها مالياً او عاطفياً، فالبعض يقول ان بايدن سيزور المنطقة من أجل MESA الناتو الشرق اوسطي، والبعض الآخر يقول من اجل زيادة انتاج النفط، والبعض يدعي من أجل القضية الفلسطينية،وهناك من يفتي بأن زيارة بايدن هي من أجل ضمان التفوق العسكري الاسرائيلي. اليوم سنُبحر في ملف MESA والاسباب التي ستؤدي الى فشله في محتوى جديد من "مع دلياني" على منصة "بالعربي".
أهلاً وسهلاً اخواتي واخواني من المحيط الى الخليج، انا اخوكم ديمتري دلياني، في هذا المحتوى سنتطرق الى قضية الناتو الشرق اوسطي الذي تتحدث عنه بكثافة دول ليست مشمولة في الطرح أكثر من الدول المشمولة في الاقتراح
وهذه المبادرة لم تأتي نتيجة اتفاقيات ابراهيم كما يحاول محور الاخوان – قطر تصويره لاهداف تخدم بحثهم عن مكان في المعادلة الاقليمية التي تتجاهلهما بشكل واضح، خصوصاً بعد التراجع التدريجي لتركيا من هذا المحور الخاسر.
مبادرات سابقة
في عام 2015 اقترحت جامعة الدول العربية تحالفاً أمنياً عربياً لمواجهة الارهاب، وقد عملت قطر على افشاله لان هكذا تحالف عربي عسكري يُضعف دورها الداعم للارهاب ويكشف تواطؤها مع قوى أجنية مثل احتضانها لاكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، واستضافتها لقواعد عسكرية تركية، وكونها مقر هام للموساد واخوان المسلمين. أما المحاولة الفاشلة الثانية لتحقيق هذا التحالف العسكري الامني، فقد كان في عام 2017 حين اقترحت المملكة العربية السعودية انشاء تحالف عسكري عربي والذي عرف باسم MESA او الناتو العربي والذي دعمه دونالد ترامب لكنه لم يرى النور.
تطورات الساحة
ومنذ ذلك الحين طرأ تطور لامران رئيسيان، الأول اتفاقيات ابراهيم بين المغرب والامارات والبحرين من جهة ودولة الاحتلال الاسرائيلي، لتضاف الى العلاقات الاسرائيلية العربية مثل مصر والاردن وقطر. ونحن كفلسطينيين نقف ضد هذه الاتفاقيات لاننا نرى انه من مصلحتنا الوطنية والقومية أن تُقام الدولة الفلسطينية اولاً ثم من يريد أن يُطبّع فليفعل ذلك كما نصت مبادرة السلام العربية. هذه الاتفاقيات تعني أن أي تحالف ممكن أن يحصل برعاية أمريكية من المحتمل وبشكل كبير أن تكون دولة الاحتلال جزء منه، وهذا ما عبرت عنه الولايات المتحدة بشكل واضح. أما التطور الاخر، فهو الخطر الايراني المتنامي على الدول العربية، خاصة بعد احكام سيطرتها على دول عربية هامة مثل العراق وسوريا وجزء من اليمن.
التشويشات الاعلامية
وقد شهدنا في الفترة الماضية محاولة قطرية – اخوانية من خلال قنوات مثل مأملين ومش عربي لتضخيم قضية هذا التحالف، ليس من حيث المبدأ، فقطر والاخوان متورطون في مصائب أكبر من هذا بكثير، لكن من أجل شيطنة دول بعينها، فمثلاً يستهدف هذا المحور ومن خلال وسائل اعلامه المميزة والقادرة على خداع المواطن البسيط، المملكة العربية السعودية، ويصورها على أنها دائماً "على وشك التطبيع" بالرغم من بئر التطبيع والتعاون التي تعيش به قطر، مُمولة هذه الحملات، ورغم موقف الاخوان المهادن للاحتلال الاسرائيلي خلال فترة حكمهم لمصر وقبلها وبعدها، (هل تتذكرون رسالة الرئيس الراحل محمد مرسي الى رئيس دولة الاحتلال التي افتتحها ب "عزيزي بيريز". ومع أن موقف المملكة العربية السعودية واضح جداً برفض التطبيع الا أن هذه القنوات الاعلامية الاخوانية والممولة قطرياً تكرر نفس الاتهام حتى أصبح هذا الاتهام راسخ في اذهان البسطاء على أنه واقع، ويستخدم محور الاخوان - قطر الخاسر اسلوب التكرار لشيطنة دول بعينها ، وقضية تضخيم تحالف ناتو الشرق الاوسط ما هو الا جزء من عملية الشيطنة غير المسنودة لا على واقع او حقيقة، لكن مجرد بالونات اعلامية مُشيطنة للامة العربية لصالح ايران وتركيا والاخوان وكل ما هو غير عربي....هل هذا يذكركم بحصان طروادة؟
ناتو الشرق الاوسط يذكرنا بصفقة القرن
ناتو الشرق الاوسط او ميسا يذكرنا بصفقة القرن التي اعترف جارود كوسنر، مستشار وصهر الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، والمكلف بصياغتها وطرحها والتفاوض عليها بعد موافقة الادارة الامريكية، اعترف بأنه لم يجد وقت لكابة سطر واحد منها او فكرتها العامة. لكن تجد بعض أصحاب نظرية المؤامرة والسطحيين المنساقين خلف محور قطر- الاخوان المشيطن للكل العربي، ينسجون الروايات حولها، بل أنهم قرروا من موافق عليها ومن يرفضها، ومن دفع ثمن رفضها ومن قَبَض ثمن قبولها، بل تم ربط أحداث ليس لها علاقة بهذه الصفقة الخيالية التي لم يقرأ أحد منها سطراً لأنها لم تُكتب أصلاً في صُلب الصفقة ووظفها مُستغلاً اللاهثين وراء اعلام الاخوان مثل الجزيرة ومأملين ومش عربي ليغذوهم بأكاذيب تتماشى مع نظرتهم البسيطة السطحية لمجريات السياسة في المنطقة، نعم هؤلاء من يظنوا أن التطبيع العربي حرام ولكن العلاقات العسكرية والتجارية والاستخبراتية التركية الاسرائيلية حلال، هم انفسهم من يشتمون دول التطبيع، التي اقف معارضاً لاتفاقيات تطبيعها بشكل علني وواضح، لكن يغفلون أن اول دولة خليجية استضافت زعماء دولة الاحتلال هي قطر التي استعلنت بديفيد كمحي، مدير عمليات الموساد الاسرائيلي السابق في بناء قناة الجزيرة إضافة الى وظيفته كمدير مكتب الموساد في الدوحة والذي ما زال قائماً ويدير جزء كبير من معركة قطر-الاخوان لشيطنة العربية السعودية التي ما زال موقفها واضحاً برفض التطبيع، ولتشويه صور دول الخليج الاخرى للتغطية على علاقات كان من المفروض أن تكون سرية بين اسرائيل وقطر لكن القدر شاء ان يتم فضحها وعلى لسان رئيس الوزراء القطري السابق، أحد الحمدين.
حقيقة الاعلان الاردني
عندما أعلن العاهل الأردني عبد الله الثاني مؤخرا خلال مقابلة مع ال CNBC الامريكية عن تأييده تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط مشابه لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، لم تكن المرة الأولى التي تُطرح فيها هذه الفكرة. لكن الملك قال وبوضوح، وهذا ما يتجاهله المتصيدون، أن مهمة هذا التحالف يجب أن تكون شديدة الوضوح، أي أن موافقة الملك كانت مشروطة بما لا يدعي الشك، وما دام شرط الوضوح الكامل لم يتحقق فالتأييد لن يتحقق وهذا ما عبر عنه لاحقاً وزير الخارجية الأردني.
اسباب موت فكرة ناتو الشرق الاوسط قبل ولادته
وصعوبة تحديد مهمة هذا التحالف تكمن في عدة أمور وهي نفسها التي ستُفشل انشاء هذا التحالف ليبقى فقط مادة اعلامية لشيطنة العرب، ومن هذا الاسباب: اولاً: صعوبة تحديد أهداف أمنية موحدة وعدو مشترك لجميع الدول المقترحة لعضوية هذا التحالف، ومن يقول أن ايران هي العدو المشترك، فليعد الى فيديو سابق هنا بعنوان " ايران مع او ضد اسرائيل" حيث يوضح هذا الفيديو الدور التكاملي بين دولة الاحتلال الاسرائيلي والجمهورية الايرانية، وخضوع الجمهورية الايرانية للتفوق الاسرائيلي العسكري والاقتصادي والعلمي عليها، وعدم ردها على جرائم الاحتلال بحقها، وعدم اطلاقها ولو رصاصة واحدة بشكل مباشر على الاحتلال الاسرائيلي منذ إقامة دولته على أرضنا العربية، ومنعها للميليشيات التي تدعمها من الانتقام من الاحتلال منذ عام 2006 أي منذ قبل 16 عاماً بالرغم من المجازر والجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق فلسطين وخاصة في غزة والقدس التي تتغنى بها ايران ومليشياتها ليلاً نهار، بالاضافة الى صفقات الاسلحة والتعاون الاستخباراتي والعسكري الذي يوضحه هذا الفيديو بالدليل القاطع، فإذاً، اذا كانت دول بعينها في هذا الحلف المقترح قد تنظر الى ايران كهدف لهذا التحالف، فإن دول إخرى مثل اسرائيل ترى في ايران خير معاون على إضعاف الدول العربية وشريكة لها في احتلال الاراضي العربية مثل الاراضي العراقية او الجزر الاماراتية.
أما السبب الثاني لافشال هذا المقترح بتشكيل التحالف هو أن البنية التحتية لجيوش البلدان المُقترحة لعضوية فكرة هذا التحالف غير متجانسة، ففي الوقت الذي تخدم فيه البنية التحتية لبعض هذاه الجيوش الى الدفاع عن الحدود مثل الجيش المصري، الا أن بعضها مبني على أسس الحفاظ على الأمن الداخلي والنظام نفسه أكثر من الدفاع عن الحدود، وهذا يخلق تباين في استراتيجيات بناء هذا الجيوش ويخلق حالة من عدم التجانس بينها فيُصعّب التعاون بينها ويبقيه في مستوى منخفض.
والسبب الثالث هو ان هناك قوة عربية خليجية مشتركة تحمل اسم "درع الجزيرة" قوامها 40 الف جندي وهي مجهزة ومسلحة باحدث الاسلحة لكنه ينقصها الخبرة القتالية، لكن مثل هذه القوة الموجودة اساساً يمكن تطويرها لتُصبح رادعاً من دون انشاء تحالف جديد يضم الاحتلال الاسرائيلي.
أما السبب الرابع وهو عودة طهران الى التفاوض مع الولايات المتحدة حول السلاح النووي وبدون تلبية اي من مطالبها مما يقلل من ضرورة هذا التحالف وخاصة الان، كما أن الهزائم التي تلحق بايران سواءاً في لبنان كما هو واضح من نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، وفي اليمن نتيجة تراجع الحوثيين، وتقهقر حليفتها قطر، التي لم تعد حتى تذكر ضمن المعادلات الاقليمية الا ك "صراف" آلي، قد يُضعف الخطر الايراني على الدول العربية وبالتالي يقلل من أهمية هكذا تحالف. ضف الى ذلك الدور الذي يلعبه العراق في التقريب بين السعودية وإيران في ظل تقارير تتحدث عن قُرب عودة العلاقات بين الرياض وطهران.
الخاتمة
في نهاية المطاف، فإن فرص انشاء هذا التحالف MESA تضعُف كل يوم عن سابقه ولكن هذا لا يعني أن هكذا تحالف قد أزيل من طاولة النقاش. والأهم من ذلك، مع تحالف وبدونه، ستبقى فلسطين حرة عربية.
Comments